منذ قرون قليلة لا يتجاوز عددها أصابع اليد
الواحدة، بدأت حركات الاصلاح الاجتماعي الجادة في التأثير على كيانات المجتمعات
الأوروبية، وساهمت في رفع مستويات الحرية والتنمية والنشاط الاقتصادي والفكري
والعلمي والفني فيها. ومنذ قرن واحد فقط، أصيبت الولايات المتحدة بعدوى هذا
الاصلاح لتتجاوز حتى أوروبا في تطوراتها على جميع الأصعدة. ولنقوم نحن بذلك أيضا،
علينا أن نبدأ مرة أخرى في إصلاح بلداننا، ولكن هذه المرة بجدية أكبر.
قال الحكيم : كما نكون فسيولّى علينا. أي أنه
سولّى علينا كما نكون، أي أن حكّامنا الحالين هم ليسوا سوى انعكاس لنا. يرى
الكثيرون بأن الاصلاح الحقيقي في بلادنا لن يتحقق الا عندما يتغر رأس الهرم الذي
هو السبب في كل ما نعانيه اليوم، وبصراحه أعتقد أحيانا بأني أميل الى هذا الرأي
الحائر والمتشائم. يقول آينشتاين : من الحمق أن تفعل نفس الشيء مرارا وتكرار ثم تتوقع
نتائج مختلفة! هذا يعني –بالنسبة لمن يرى أن رأس الهرم هو سبب مشاكلنا- إنه لمن الحمق
أن نتطلع الى تغير في واقعنا اذا لم نقم في البداية بتغير رأس الهرم الحالي الذي هو أساس مشاكلنا.
ولكن هل الحل الحقيقي لمشاكلنا يكمن في تغيير رأس الهرم حقا؟ أم أن هناك حل آخر؟
ان اللذي ينتظر تجلي التغيرات الخارجية السحرية من غير أن يحرك ساكنا
هو ليس الا رد فعل، ولا يملك الجرأة على أن يكون الفعل الذي سيضع حدا لكل هذا البؤس
الذي نعيشه! انها بهذه البساطة،علينا ان نقوم بفعل شيئ ما بأنفسنا، وستتحسن
أوضاعنا إن عاجلا أو آجلا، فمستحيل ان نظل كما نحن ونتوقع ان هناك نتائج مختلفة
على وشك الهبوط من السماء.
كن أنت التغير الذي تريد أن تراه في العالم، هذا هو ماقاله المناضل
السلمي والمصلح الاجتماعي الاشهر في العالم، مهاتما غاندي. الى متى لا نمارس نشاطا
آخرا غير التشاؤم؟ الى متى سوف يستعرض كل منا عضلات ثقافته وبلاغته بإدانته
لواقعنا المرير ويخبرنا بانتظام مجدول بأننا العرب أمة متخلفة على جميع الأصعدة
الثقافية والروحية والاقتصادية والترفيهية؟
ليس هناك حلاَ سحرياً غير هذا، وهو ان تعلم بالضبط مالذي تريده أنت، وتعلم أكثر عن كيفية تحقيق ما تريد، ثم تتخذ الخطوات اللازمة لتحقق ما تريد. بالله ماهو الصعب في أن تعلم ماتريد؟
مشكلتنا الاعظم كبشر –والتي تسببت في عدم معرفتنا لما نريد نحن- هي اننا نهتم بكل
مالا يعنينا! كل منا لديه أسئلته التي تشغل باله. أسئلة متعلقة بالمصير وبكيفية
العيش بفاعلية اكبر وبكيفية التواصل بأفضل طريقة مناسبة مع هذا الخالق الذي لا
يتوقف عن ارسال الاشارات ليحثنا على أن نكون التغير الذي نريد أن نراه في أنفسنا
وفي العالم. ولكننا بدل أن نفكر في تساؤلاتنا ونزوجها بأجوبتها العذراء، نحن لا
نفكر الا في أسئلة واحتياجات غيرنا. فنحن لا نقرأ ما نحتاج، ولكننا نقرأ ما يقرأه
أصدقاؤنا! ونشاهد ليس الافلام التي تدفعنا وتشجعنا، بل الافلام التي تدفع غيرنا
وتشجعه. نحن نهتم بكل ما لا يعنينا، لذلك لن نعرف اطلاقا مالذي نريده
بالضبط!
مالذي تريده أنت بالضبط؟ كيف تريدنا أن تكون؟ هل في وسعك أن تكون
نموذجا لذلك العربي الناجح والذي يتطلع الى تحويل كل العالم العربي بأفكاره
ونشاطاته واستثماراته في الاقتصاد والترفيه وما الى ذلك؟ إن الوضع ليس سيئا جدا كما يبدو من
الوهلة الأولى. كل ما نحتاجه هو المبادرة فقط. التحرك بخطى ثابته وجاده نحو
المستقبل المشرق. كل ما نحتاجه هو ان نقسم بأن نكون نحن التغير الذي نريد أن نراه في أنفسنا قبل كل شيء.
كل ما نحتاجه هو أن نحرق السفن التي خلفنا وألا نفكّر إطلاقا في التراجع بعد أن
أقسمنا بأغلى ما نملك.
كما نكون فسيولى علينا، ونحن كأمة نعتبر السبب في وضعنا الحالي، لأن الغالبية
العظمى منّا هم من مهووسي كرة القدم الأوروبية, ومرتادي المقاهي, والباحثين عن
السيارات والجوالات الحديثة, ومن مواكبي الموضة الغربية ومتتبّعي البومات المغنيين والمغنيات,
والشغوفين بأحدث ما تنتجه هوليوود وديزني! ونقول أن رأس الهرم هو السبب في كل
مشاكلنا! ونعتقد أن الحل يكمن في الثورات، وفي البصق على وجيه بعضنا البعض بعبارة العرب
متخلفون العرف متخلفون جدا.
لا أنكر بأن السياسة المقيتة والدين الزائف الذي نعيشه لا يتحملان
شيئا من مسؤولية تخلفنا، بل أحيانا لا أعتقد الا بأن الدين الزائف الذي استغله
الجميع حتى السياسين هو في الحقيقة السبب في كل مشاكلنا، ولكننا نحن الحمقى الذين
نحلم بغد أفضل من غير ان نعمل أي شيء نتحمل جزءا من المسؤولية ايضا. كن أنت التغير
السياسي الذي تريد أن تراه، وكن أنت التغير الكهنوتي الذي تريد ان تراه، وكن انت
الحرية الفكرية والاسطورة الشخصية والرفاهية التي تريد ان تراها فينا. هناك الكثير
من الجهلة والبائسين والضعفاء يحتاجون الينا، تماما كما كان المشركين يحتاجون الى
نبي، لينوّر لهم الطريق. وهناك الكثير لنتحدث عنه سوياً بينما نحن سائرون في الطريق.
هل أنت خائف من أن تتجرأ و تكون التغير الذي تريد أن تراه في نفسك وفي العرب؟ قلي من هو
المتخلّف الآن؟ أنا أليس كذلك؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق