كلما تطور العلم، تطور معه الخير، ولكن ليس الخير وحده هو من يتطور،
بل الشر يتطور مع العلم أيضا، وإذا ما أمعنا النظر فسنرى أن تطور العلم وحده هو ما
يفتح شهية الحكومات والاشرار ليحوزو على المعلومات والتكنولوجيا والقوى الجديدة والفائقة في العالم، والتي
يخاف كل من الحكومات والإرهابيين من ان تقع في ايدي أعدائهم، سواء أكان أعداؤهم
أبطالا ذو قيم نبيلة، أم كانو أشرارا يتطلعون الى الانتقام وتصفية حساباتهم معهم، ففي
كل الأحوال القوى الفائقة تقضي أو تتسبب في إنقراض كل من يقف في طريقها.
أصبح العلم خطيرا في عصرنا هذا بسبب تطوره السريع والعصي على
الاستيعاب، اصبح العلم كعفريت خرج من فانوسه ولم يعد في وسعنا السيطرة عليه، بل
يستحيل السيطرة عليه احيانا بسبب اختلال مزمن في توازن الوعي البشري، حيث انه منذ
فجر التاريخ والانسان يسعى الى افناء جنسه بنفسه، وامتداد هذه الرغبة يتم بعثه
باستمرار من صفحات التاريخ الى حياتنا اليومية من غير ان نلتفت الى المعطيات
الاخرى في نفس الصفحات التاريخية والتي ستساهم في تحقيق توازن حقيقي في حالتنا
ووعينا.
احد هذه المعطيات التاريخية التي اثبتت ضرورة الالتفات اليها هي الروح
التي تساهم في اضفاء نوع من الانسجام والتفهم والالتزام بتوفير حياة لطيفة لنا
ولمن حولنا، وبهذا يكون الغرض مشتركا بين ما تريد الروح تحقيقه وبين ما يريد العلم
تحقيقة في هذه الحياة.
يظهر للمفكرين أن العلم يحمل أكثر من رسالة كلية تتعلق بتفاعل الانسان مع
الطبيعة وأيضا تفاعل الانسان مع الانسان. أليس هذا هو الانسجام الذي تريد الروح ان
تحققه أيضا؟ فبالعودة الى صفحات تاريخ الحضارات، سنجد إهتمامات أخرى أخذت نصيبها
الكافي من الحياة اليومية في تلك الحضارات تماما كما أخذ العلم نصيبه من الاهتمام
فيها، ومن هذه الاهتمامات هو الاهتمام بالقوى الخفية التي تدفع الانسان ليحيى في
جسد متحرك ومتفاعل تحت ظل رحمة نظام هو الأكثر تفوقا على الاطلاق.
بعبارات أبسط، إهتمت الحضارات السابقة بالدوافع دائما، والدوافع هي
تلك الحالات النفسية المتقلبة التي تتحكم بسلوكيات ما يمكننا ملاحظة سلوكه. نحن
يمكننا ملاحظة سلوك اجسادنا على سبيل المثال، والعلم يحاول اكتشاف الجواب على سؤال:
ماهو الدافع الذي يتوقف عن مساندة أجهزتنا أجسادنا الحيوية بعد أن نموت؟ لماذا عندما نموت نتوقف عن
التنفس؟ مالذي يتسبب في تحركنا وعيشنا وتنفسنا وتناسلنا؟ مالذي يجعلنا تواقين
للقبض على إجابات لهذه التساؤلات المؤرّقة؟
ألا ترا أن هذه الأسئلة تبعث على الانسجام؟ وعلى محاولة فهم الدوافع،
لنتمكن بعدها من توفير حياة لطيفة وسعيدة ومشبعة لنا ولمن حولنا؟ هذه هي الأهداف
التي يشترك العلم والروح أو الروحانية في تحقيقها. واليوم نحن أبعد ما نكون عن
الروح التي نعتقد بأنها خرافة عفا عليها الزمن، والى ان نعيد بعث بعض التعاليم
الروحية من صفحات التاريخ مرة اخرى، سنظل في شتاء طويل من التفاؤل العلمي.
حبيبى يا فواز
ردحذفبصله