جميعنا تربينا على عدم الاستحقاق
وحبتي الكوب كيك بنكهة التوفي من منتجات شركة المراعي أكدتا لي ذلك.
فبعد ان بتنا في تلك الغرفة القريبة من الحرم النبوي لليلة واحدة، حزمنا امتعتنا وتركنا بواقي الاطعمة والتسالي خلفنا، وبما اننا كنا في ثاني ايام العيد، قررت ان اخذ معي حبتي الكوب كيك واهديها لاول طفلين اجدهما في طريقي. ومن هنا بدأت المغامرة.
ها هما الطفلين المصطفين يجلسان في بهو الفندق بجانب والدتهم.
توجهت الى اصغرهم لكونه الابعد الى امه، ومددت يدي اليه لاهديه كيكة واحدة، لكنه رفض ان يمد يده ويأخذها، مما جعلني ابتسم اكثر وهو مركز عينيه على عيني، ولكن لا فائدة، فيبدو ان تلك الام التي كانت تراقبه -وهو يعلم ذلك حتى من غير ان يلتفت اليها- علمته ان لا يأخذ اي شيئ من الغرباء.
أخيرا سحبت يدي الممدودتين وانصرفت مسرعا وانا اشعر بحنق كبير على كل الامهات اللواتي لازلن يتحكمن في اطفالهن التواقين لاستكشاف العالم وتذوق كل الاطعمة التي فيه.
توجهنا الى جبل الرماة، ولازالت الكيكتين معي، ولازلت منغمسا في تلك الذكرى البعيدة عندما كنا أطفالا انا وابن عمي يوسف، فقد قام احد المجزلين بعطائه بتقديم خمسة ريالات لكل واحد منا وأخذناها مع علمنا انها من غير مناسبة، وهذا مبلغ كبير لم نكن لنملكه الا في الاعياد، ولسوء حظنا فقد علمت والدتينا بذلك وعاقبونا عقابا شديدا وهددونا بتطهير ذكورنا مرة ثانية لكوننا تطهرنا امام بعضنا البعض من ونزاما واحد ونحن نبلغ من العمر 4 سنوات.
ومن بين العبارات التي هددونا بها لم نتمكن ابدا من نسيان حبكتهما التي تقول: عندما تأخذو اي مال من اي شخص، فإن الذبابات التي ترونها في الهواء ستأتي وتهمس في اذاننا عن ذلك ايها الشحاذون.
تبا! لقد صدقت هذه الخدعة على الاقل لثلاث سنوات من طفولتي، كلفتني خسارة الكثير من العطاءات التي لا مناسبات لها غير اللطف والبذل من اجل البذل.
ها نحن ذا في ذلك السوق الصغير بجانب جبل الرماة، وارى الكثير من الاطفال هنا مع اهاليهم. هذا جيد.
توجهت الى تلك الاضرحة المسوّرة التي يجتمع حولها الكثير من السائحين لمراقبتها ولمراقبة ذلك الشاب المبادر الذي عمل كدليل سياحي فريد من نوعه في مجتمعنا، سنتحدث عنه لاحقا.
قدمت كيكة واحدة الى طفلة هندية جميلة تقف خلف والدها وهي ممسكة بردائه، ولكنها -كجميع الاطفال على مايبدو- لم تحرك ساكنا لالتقاط الكيكة من يدي والتي تبدو انها اعجبتها كثيرا لكونها لم ترفع بصرها عن تلك الكيكة الى ان استأذنت والدها وهي تصرخ بأن يرى في امري ويأذن لها بالتقاط تلك الكيكة الشهية، وحسنا فعل والدها عندما نظر الي فورا وانا راكع امام ابنته ومددت يدي اكثر وانا اتصنع نفس الابتسامة مع فتى بهو ذلك الفندق، الا ان ابتسامتي هذه واضح فيها الاستياء من تربية الامهات ومن شمس تلك الظهيرة.
اخيرا قدمتها لوالدها وانا اقول له: كل عام وانت بخير، هذه عيدية مني لابنتك هذه. فالتقطها واعطاها لابنته التي بدى انها لم تصدق انها على وشك التهام كيكة بنكهة التوفي. لمَ لم يتبادر الى ذهني ان عبارة "هذه عيدية مني لابنتك هذه" ستكسر الحواجز بيني وبينهم. يالشفقتي على طفل بهو الفندق الذي كنت فيه، أشعر وكأني أريد أن انتقم من امه لكونها اثارت تلك الذكريات في عقلي.
بقيت كيكة واحدة، استخدمت معها حيلة "كل عام وانتم بلا بلا بلا" .
رأيت امرأة سودانية مع طفلها وزوجها عندما كنت اصعد الى جبل الرماة، ثم قدمت كيكتي لذلك الطفل الرائع واخذها فورا، وكاد ان يرميها لكونه لم يتجاوز شهره السادس عشر كما يبدو. اخذها والده منه وهو يحييني بابتسامة مع ايماءة برأسه تعني "شكرا".
وأخيرا نجحت في تصريف الكيكتين لطفلين من غير ان تلقى في سهلة المهملات أثناء تنظيف تلك الغرفة في ذلك الفندق.
والى كل امهات العالم اللواتي غرسن في اطفالهن الصغار قناعة عدم الاستحقاق اقول، من أنتن؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق